مقدمة

كُتِب هذا العدد من النشرة الاقتصادية بينما تسعى دبي لتتغلب على الأزمة الصحية والاقتصادية العالمية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19). وقد حدث تعطل في الخدمات الأساسية التي تقدمها دبي، مثل النقل الجوي والسفر والخدمات المرتبطة بهما. ولكن في الجانب الإيجابي، فإن صمود اقتصادها بشكل عام يمكن أن يدعم التعافي السريع بمجرد بدء تخفيف قيود السفر وإعادة فتح الحدود الدولية بعد إغلاقها للحد من تفشي الفيروس. والأفكار الواردة في هذا العدد بشأن قدرة دبي على الاستفادة من الفرص التجارية المربحة في خدمات العصر الرقمي تتسم بأهمية خاصة الآن، لأن استغلال إمكانات هذه الخدمات يمكن أن يدفع اقتصاد الإمارة نحو مسار ناجح من النمو والازدهار المستدامين.

يبدأ الجزء الأوّل من النشرة الاقتصادية بتحليل البيانات التي جُمعت لمحاولة فهم الدور الرئيسي الذي تلعبه صادرات دبي من الخدمات التجارية في اقتصاد الإمارة. ثم يتناول الجزء الثاني فرص دبي كمركز للخدمات التجارية في العصر الرقمي، حيث يشهد العالم تسارعاً في استخدام التكنولوجيا الجديدة، بما في ذلك تكنولوجيا بلوك تشين. فهذه البيئة سريعة التطور تجعل من المهم تقييم المجال الذي يمكن فيه لدبي تحقيق موقع ريادي في الخدمات التجارية بشكل يعزز مزاياها النسبية الحالية والناشئة في أنشطة سلسلة القيم العالمية الرئيسية. وستشكل هذه المجالات المصدر الأساسي للنمو في دبي باعتبارها أيضا المحرك الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة على نطاق أوسع.

الفرص التصديرية الجديدة لدبي في خدمات العصر الرقمي

يشهد العالم اتجاهاً متسارعاً نحو التحول الرقمي في الأسواق الناشئة وفي دول العالم المتقدم، حيث تشير تقارير منظمة التجارة العالمية إلى أن التحول الرقمي[ref] والنمو في الإنترنت والاتصالات ذات التكلفة المنخفضة هي المحرك الرئيسي لنمو التجارة العالمية في الخدمات. وهذا يعني أن الكثير من الخدمات التي لا يمكن تقديمها إلا وجهاً لوجه يمكن الآن تنفيذها عن بعد. وفيما يلي مناقشة موجزة للمجالات الأخرى لتقديم خدمات العصر الرقمي التي ستمكن دبي من تنمية تجارتها في الخدمات التجارية بصورة استراتيجية وجعلها مصدراً أساسياً للنمو في المستقبل.

الريادة في خدمات النقل الذكي والخدمات اللوجستية

كانت دبي سباقة إلى تبني التكنولوجيا الرقمية التي يمكنها دفع عجلة النمو الاقتصادي في المستقبل. ويمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تقلل من تكاليف التجارة عن طريق تحسين تتبع عمليات الشحن وزيادة كفاءة الشحن والنقل. ومن أمثلة ذلك استخدام موانئ دبي العالمية التكنولوجيا الرقمية لتحسين العمليات وخفض التكاليف. فمنشآت موانئ دبي العالمية في المنطقة الحرة لجبل علي تعد مركزاً متكاملاً قادراً على توفير النقل البحري والجوي والبري إلى بقية دول العالم.

فقد أسست موانئ دبي العالمية في عام 2018 شركة ”كارجوسبيد“، وهي شركة عالمية جديدة أنشئت من خلال شراكة بين موانئ دبي العالمية وفيرجين هايبرلوب، لتوفير نظام شحن سريع يسمح بالتسليم السريع والمستدام والفعال للبضائع المنقولة. وسيكون هذا النظام، الذي يسير بسرعة قصوى تبلغ 1000 كم في الساعة، قادراً على نقل السلع ذات الأولوية العالية عند الطلب، مثل اللوازم الطبية والسلع الطازجة والإلكترونيات، مما سيساهم في خفض تكاليف خدمة سلاسل التوريد.

تسير أنظمة شحن الهايبرلوب الخاصة بشركة ”كارجو سبيد“ التابعة لموانئ دبي العالمية بسرعات تصل إلى 1000 كم في الساعة لنقل السلع ذات الأولوية العالية بصورة سريعة ومستدامة مع رفع الكفاءة وخفض تكاليف خدمة سلاسل التوريد.

للمزيد من المعلومات

إمكانات هائلة للخدمات اللوجستية المتعلقة بالتجارة الإلكترونية

خفضت التكنولوجيا الرقمية تكاليف التجارة التقليدية وتعمل على تحقيق خفض مستمر في التكاليف. وتساعد المنصات الإلكترونية في تقليل تكاليف البحث لإيجاد المشترين والبائعين، والحصول على معلومات عن السوق، وتوفير المعلومات للمستهلكين المحتملين.

وقد طوّرت دبي قطاعاً قوياً لتجارة الجملة والتجزئة يساهم بأكبر نسبة في الناتج المحلي الإجمالي. وهذا القطاع لا يلبي احتياجات سكان الإمارة فحسب، بل يجذب أيضاً عدداً كبيراً من السياح من دول أخرى للتسوق في دبي. وتحولت خدمات التوزيع، التي كانت تتم بشكل أساسي من خلال التواجد التجاري، إلى خدمات طلب عبر البريد والتجارة الإلكترونية[ref]. وقد أدى هذا النمط الجديد من الأعمال إلى خفض تكلفة الوصول إلى الأسواق. وهذا التطور يؤثر بشدة على تنافسية خدمات تجارة الجملة والتجزئة التقليدية.

وتمتلك دبي ما يلزم لكي تصبح مركزاً رئيسياً للتجارة الإلكترونية ومنصات التسليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها، نظراً لشبكات التواصل المتوفرة وقوة تواجدها في سوق الخدمات اللوجستية الإقليمي. وقد أثبتت إجراءات الإغلاق الكامل للحد من انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) أن تجارة التجزئة عبر الإنترنت أصبحت اليوم أمراً حيوياً لاستمرار أعمال الشركات ودفعت العملاء الذين اضطروا إلى البقاء في المنزل والعمل فيه لتسريع استخدام التجارة الإلكترونية ومنصات التسليم المرتبطة بها. وهذا الاتجاه سيتسارع في حقبة ما بعد فيروس كورونا (كوفيد 19) نتيجة للانتشار البنية التحتية الرقمية الممتازة ودمج البيانات والأتمتة في الإمارة.

ارتفع عدد شركات التكنولوجيا المالية ”الفينتاك“ المرخصة العاملة في مركز دبي المالي العالمي من 35 إلى أكثر من 80 شركة في النصف الأول من عام 2019.

الريادة في الخدمات والتكنولوجيا المالية ”الفينتاك“

عززت دبي أنشطتها في مجال الخدمات المالية من خلال مركز دبي المالي العالمي، الذي وسع نطاقه وجذب شركات التكنولوجيا المالية ”الفينتاك“، سواء الشركات الناشئة منها أو التي في طور النمو. فارتفع عدد شركات الفينتاك المرخصة العاملة في مركز دبي المالي العالمي من 35 إلى أكثر من 80 شركة في النصف الأول من عام 2019. وقد تلقى مركز دبي المالي العالمي 425 طلباً من شركات ناشئة تعمل في قطاعات التكنولوجيا التنظيمية والتكنولوجيا المالية الإسلامية وتكنولوجيا التأمين للمشاركة في الدورة الثالثة من برنامج ”فينتك هايف“ المُسرِّع للتكنولوجيا المالية، بزيادة مقدارها 42 بالمائة عن دورة 2018، وبما يعادل ثلاثة أضعاف المشاركين في الدورة الأولى في عام 2017. وقد كان مصدر ما يقرب من نصف الطلبات الواردة لبرنامج 2019 من الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا.

كما تتمتع دبي بموقع جيد لتعزيز فرصها في القطاعين المالي والتكنولوجي في سياق التعاون الإقليمي. وعلى وجه التحديد، يمكن للتكنولوجيا المالية إحداث تحول جذري في سوق التمويل التجاري وتبسيطه وتنميته من خلال استخدام تكنولوجيا بلوك تشين والتوريق. ووفقاً لبنك التنمية الآسيوي، توجد فجوة ائتمانية في تمويل التجارة الدولية تبلغ 1.6 تريليون دولار أمريكي يمكن لشركات التكنولوجيا المالية المساعدة في سدها عن طريق خفض المخاطر[ref].

تطوير الخدمات المتعلقة بالملكية الفكرية

لا تتم تجارة الخدمات عبر الحدود فقط، بل تتم أيضاً من خلال حركة الأشخاص ورأس المال. ومن أمثلة الخدمات المتعلقة بالملكية الفكرية رسوم إعادة إنتاج وتوزيع حقوق الطبع والنشر في برامج الكمبيوتر والمواد السمعية والبصرية والكتب وبث وتسجيل العروض الحية. وتظهر إحصاءات ميزان المدفوعات على مستوى دولة  الإمارات أن عائدات الخدمات المتعلقة بالملكية الفكرية (الصادرات) بلغت 13.6 مليار درهم في عام 2018[ref].

تلبي مدينة دبي للاستوديوهات احتياجات الإنتاج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال استوديوهات أفلام تشبه تلك التي في هوليوود مع قاعات معزولة صوتياً وساحات تصوير خارجي لمختلف احتياجات الإنتاج.

تطوير شبكات الابتكار والخدمات الإبداعية: سلسلة القيم في صناعة الأفلام

تقدم صناعة الأفلام مثالاً جيداً على كيفية توفير المواد المبتكرة السمعية والبصرية مجموعة متنوعة من الخدمات المختلفة، مثل تنقل الأشخاص بهدف إنتاج الأفلام أو التخصص في أنشطة محددة مثل الدبلجة أو المؤثرات المرئية، بالإضافة إلى تسويق المكان كوجهة سياحية من خلال كونه موقعاً للتصوير. بالإضافة إلى ذلك، تحقق الصناعة قيمة جديدة من خلال امتلاك الحقوق الفكرية مثل حقوق النشر والعلامات التجارية والاتفاقيات الحصرية وتوليد فرص العمل وزيادة النشاط الاقتصادي بشكل عام.

تقدم مدينة دبي للاستوديوهات ومنطقة ”تو فور 54“ في أبوظبي أمثلة توضيحية عن هذه الشبكة من الخدمات، حيث تهدف مدينة دبي للاستوديوهات على وجه الخصوص إلى تلبية احتياجات الإنتاج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال بناء استوديوهات أفلام تشبه تلك التي في هوليوود مع قاعات معزولة صوتياً وساحات تصوير خارجي لمختلف احتياجات الإنتاج. وهي تخطط أيضاً لأن تضم أكاديميات للتدريب السينمائي والتلفزيوني وأماكن ترفيهية ومتاجر لبيع التجزئة وفنادق ومرافق سكنية للممثلين وأطقم العمل.

في حقبة ما بعد فيروس كورونا (كوفيد 19)، ستستفيد دبي من تبنيها الحالي للتكنولوجيا الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتصنيع المضاف (الطباعة ثلاثية الأبعاد) وبلوك تشين، لتحقيق نمو استراتيجي للتجارة في السلع والخدمات والتمويل والأفراد والبيانات في المستقبل.

الخلاصة

كانت دبي سباقة إلى تبني التكنولوجيا الرقمية التي تمكنها في دفع عجلة النمو الاقتصادي في المستقبل. وبعد انتهاء أزمة فيروس كورونا (كوفيد 19)، ستواجه الإمارة بيئة متطورة جديدة. ولكن دبي ستكون في وضع جيد لمواجهة تحدي تحويل اقتصادها ليتلاءم مع العصر الرقمي، وهذا أمر يؤكده سجلها الحافل بالنجاحات في استغلال الفرص التي تؤدي إلى ظهور أسواق جديدة وزيادة الإنتاجية.

فقد سارعت دبي إلى تبني التكنولوجيا الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتصنيع المضاف (الطباعة ثلاثية الأبعاد) وبلوك تشين. وهذا الأساس الرقمي سيساهم في تمكين الإمارة من تحقيق نمو استراتيجي للتجارة في السلع والخدمات والتمويل والأفراد والبيانات في المستقبل.

داتاواتش (رسمات بيانية العدد)

Title?

بلغت حصة الخدمات 23 بالمائة من إجمالي قيمة الصادرات العالمية في عام 2018، مرتفعة من 9 بالمائة فقط في عام 1970، أي أنها تضاعفت ثلاث مرات. وفي دبي، بلغت حصة الخدمات 53 بالمائة من إجمالي الصادرات، وهذا يوضح أن اقتصاد الإمارة يعتمد اعتماداً كبيراً على قطاع الخدمات.

تشكل خدمات النقل قطاع تصدير رئيسي لإمارة دبي، حيث مثلت نسبة 53 بالمائة من إجمالي صادرات الخدمات التجارية في 2018، وهي نسبة أعلى مما هي عليه في الصادرات العالمية للخدمات. وساهمت خدمات السفر (التي تشمل إنفاق المسافرين على السلع والخدمات أثناء إقامتهم في الخارج) بنسبة 28 بالمائة من إجمالي صادرات الخدمات في عام 2018، وهي نسبة تتماشى مع المعدل العالمي (25 بالمائة). أما فيما يتعلق بصادرات الخدمات الأخرى، وتشمل الخدمات المالية وخدمات الأعمال التجارية ورسوم استخدام الملكية الفكرية، فبينما تواصل الدول المتقدمة (الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وسنغافورة) هيمنتها على تجارة هذه الفئة من الخدمات التجارية، تشكل نسبة 18 بالمائة في تجارة دبي للخدمات، وهي أقل من متوسط نسبتها (58 بالمائة) في الصادرات العالمية للخدمات.

أكبر الدول المصدرة للخدمات التجارية ودبي

التوزيع النسبي حسب الفئات الرئيسية (2018)

خدمات النقل
خدمات السفر
الخدمات التجارية الأخرى
الولايات المتحدة الأمريكية
11%
27%
62%
الصين
16%
15%
69%
سنغافورة
28%
11%
61%
سويسرا
11%
14%
75%
الإمارات
العربية
المتحدة
40%
30%
30%
دبي
54%
28%
18%
العالم
18%
25%
58%

أكبر الدول المصدرة ودبي

حصة الخدمات التجارية في إجمالي الصادرات

الولايات المتحدة الأمريكية
33%
الصين
10%
سنغافورة
31%
سويسرا
28%
الإمارات
العربية المتحدة
17%
دبي
53%
العالم
23%

المصدر: منظمة التجارة العالمية. تقديرات النسب المتعلقة بصادرات دبي للخدمات مبنية على بيانات جدول المدخلات والمخرجات الصادر عن مركز دبي للإحصاء، واحصاءات ميزان المدفوعات لدولة الإمارات.